تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في قضية الانتخابات أمر محمود جداً، ولا يتم الاختلاف عليه، إلا أن المعلومات التي وصلت الرئيس يبدو أنها حملت رؤية تحذيرية مما جرى في هذه الانتخابات فاق ما يمكن القول إنه "تزوير بشكل غير مباشر"، وبعيد عن رغبة الناس، وسيطرة أصحاب المال والنفوذ على عضوية البرلمان.
من المساوئ أنه ومع الاستعدادات للانتخابات بدأت الهيئة باستبعاد مرشحين لأسباب واهية، وغير مقنعة، وبدا أنها سياسية، لمنع مرشحين وطنيين وسابقين من الترشح والمنافسة، ولأسباب تتعلق بعدم انطباق شروط الترشح عليهم، بالرغم من عضوية بعضهم السابقة في مجلس النواب.
نظام الانتخابات برمته، ومنذ تطبيق نظام القائمة، والتي تتيح ضمان نجاح 50 بالمئة من الأعضاء، هو ما أفسد شكل البرلمان، وأعطي العضوية لكثير ممن لا يستحقون، وعضويتهم جاءت لمجرد وجودهم بالقائمة، وهو شكل آخر من التعيين بالمجلس ولكن بالمال والتزوير، وبسداد مبالغ تختلف عن بعضها بمدى قوة الحزب، وقدرة التنافس على حصد المقعد.
ومن غرائب انتخابات القائمة، هو ما يتعلق بخرائط التمثيل في الدوائر فقد جاءت الاختيارات مخالفة لأي قواعد تتعلق بالانتماء للمحافظات، بمعنى وضع اسم مرشح من مواليد وسكان محافظة، ممثلا عن محافظة أخرى تبعد عنها مئات الكيلومترات.
الرئيس السيسي كان واضحاً في قلقه وفي تعبيراته عما جرى في انتخابات برلمان 2025، والتي وصفها البعض أنها الأسوأ وتجاوزت ما جرى في انتخابات 2010، وكانت أهم شعلة في ثورة الناس في 25 يناير، والتي أتت بأصحاب رؤوس الأموال إلى البرلمان على حساب أصحاب الأصوات والنواب الحقيقيين.
وأعلن الرئيس بوضوح ما يعني انه اطلع على تقارير حول أحداث الانتخابات، خاصة حول المرشحين الفرديين، وترك الأمر للفصل فيها للهيئة الوطنية للانتخابات، للتدقيق في فحصها وما حدث من خروقات للكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية، ليأتي أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن شعب مصر تحت قبة البرلمان، حتى لو تم بالإلغاء الكامل أو الجزئي لهذه المرحلة من الانتخابات.
ولم تمر ساعات حتى قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بالإعلان عن إلغاء الانتخابات في 19 دائرة، منها انتخابات محافظة قنا بالكامل، و7 دوائر بسوهاج، و3 دوائر بالبحيرة، ودائرتين في الفيوم، ودائرة واحدة في اسكندرية، وأسيوط والجيزة، ومن الملاحظ أن بعض هذه المحافظات مشهور عنها الغش في امتحانات الثانوية العامة،
السؤال الأهم الآن (لولا تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعوته لبحث ما جرى في الانتخابات، هل كانت النتائج ستمر كما أرادها المزورون؟ الإجابة صعبة، ولمن كل الأمور واردة، والحمد لله أن تم انقاذ مصرنا من مجلس مُزور، أي كان هناك أكثر من 40 عضوا مزورا سيقرون قوانين الدولة لمدة خمس سنوات!! تخيلوا هذا!.
اعترف المستشار أحمد بنداري مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، برصد الهيئة مخالفات جسيمة في 19 دائرة، تستوجب الإلغاء وفقًا للقانون، فيما تتم الإعادة على 60 مقعداً، وحسم 41 نائبا مقاعدهم.
إلى الآن وكله كويس وممتاز، ولكن هل تحقق ما يتمناه الناس؟.. الإجابة تأتي في كيفية التمثيل الحقيقي لمختلف فئات الشعب، فمنذ الغاء نظام تخصيص مقاعد معينة للعمال والفلاحين في مصر من انتخابات 2015 البرلمانية، ورغم ما كان على هذا النظام من ملاحظات، إلا أنه ومنذ إلغائه، غاب التمثيل الحقيقي للعمال والفلاحيين، بسبب سطوة رأس المال على الاختيارات، بخلاف أن الانتخابات بالقائمة، فتحت مجالا أوسع لازدحام البرلمان بأعضاء لا يمثلون الناس تمثيلا حقيقياً.
الأخطر ما برز في السنوات الأخيرة، ما يمكن تسميته بشراء العضوية، وهي الظاهرة التي لم يسلم منها أحد، لضمان وجوده في البرلمان، لتتحول الظاهرة إلى ما يشبه المزايدة على الكرسي، ووصلت لعشرات وربما مئات الملايين من الجنيهات، الأمر الذي أفقد الفوز بالمنافسة الحقيقية، بل أدى لدخول أعضاء أصحاب المصالح للبرلمان، بحثاً عن مكاسب تعويضية لما دفعوه من أجل نيل الكرسي وبالتالي الحصانة، والجاه والنفوذ.
الظاهرة الأخطر تمثلت في شراء مرشحي الفردي العضوية إما بالكرتونة، بشكل علني، أو بثمن مقبوض نقداً، وهذا ما أكده مندوبو المرشحين أنفسهم، في تأكيد على فساد وتزوير من نوع جديد، مع استغلال حاجة أعداد من الناخبين، في عملية أشبه بالإذلال، بمنح الناخب نصف المئتي جنيه قبل التصويت، والثانية بعد التصويت.
في ضوء كل هذا، سيظل نظام انتخابات البرلمان الحالي، محل جدل، في تأكيد على ضرورة، إعادة النظر في النظام ككل، عبر مناقشة واسعة، وحوار مجتمعي، لنضمن برلماناً خاليا من أصحاب المصالح، والباحثين عن "حوائط نارية"، تحميهم من المساءلة عن فساد يعتزمون القيام به.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري






